| |||||
إلى ظاهرة منتشرة بشكل لافت بين التلاميذ. وأصبح هذا الواقع، (واقع انتشار التدخين والمخدرات داخل المؤسسات التعليمية)، يقض مضاجع الساهرين على قطاع التربية والتكوين. وصاحبت التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتسارعة، التي عرفها المغرب في العقود الأربعة الأخيرة، تغيرات في سلوكات وممارسات التلاميذ، تميزت بالخصوص، في بلوغ استهلاك السجائر والمخدرات في أوساطهم مستويات مقلقة، إضافة إلى انتشار ظواهر سلبية أخرى كالعنف. ويرجع العديد من خبراء التربية والتعليم والمهتمين، أصول هذه الظاهرة إلى تبعات الانفتاح الذي يعرفه المجتمع المغربي على الثقافات والحضارات الأخرى، واحتضان فئة من الشباب المغربي لتقاليد وعادات المجتمعات الغربية، إضافة إلى التأثير الذي تمارسه الفضائيات وتبني القيم الغربية في زمن العولمة التي تحول فيها العالم إلى قرية صغيرة. لقد أصبح مشهد تلاميذ يافعين ومراهقين أمام أبواب المؤسسات التعليمية، المؤسسات الثانوية بالخصوص، وهم يُمسكون سجائر بين أصابع أيديهم منظرا مألوفا، في الوقت الحاضر. بل هناك ما هو أخطر من ذلك، ثمة عدد متزايد من التلاميذ أصبحوا يتعاطون للمخدرات، خاصة القنب الهندي، وهو ما يطرح السؤال حول أسباب الظاهرة، وحول السياسة التربوية المتبعة. وحسب نتائج الدراسة التي أنجزتها وزارة الصحة، وقُدمت أخيرا في الرباط، فإن متوسط السن عند بداية التعاطي للتدخين، أول سيجارة، هو 16 سنة. وأفادت الدراسة أن الذين يُدخنون حاليا ممن شملهم الاستجواب (شباب تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة)، تبلغ نسبتهم 6 في المائة، فيما قالت نسبة 8،5 في المائة من المستجوبين إنهم توقفوا عن التدخين. وصرحت نسبة 21 في المائة من المستجوبين في الوسط الحضري أنهم يعرفون أصدقاء يستهلكون المشروبات الكحولية، وتبلغ هذه النسبة لدى المستجوبين في الوسط القروي إلى 16 في المائة. وبحسب الدراسة ذاتها، فإن 91 في المائة من المستجوبين في الوسط الحضري يعرفون خطورة تعاطي المشروبات الكحولية على الصحة، وتبلغ هذه النسبة لدى المستجوبين في الوسط القروي 84 في المائة. ورغم أن نسبة 6 في المائة تبدو ضئيلة، إلا أنه لا يمكن التقليل من أهميتها، فهي تدل على مدى انسياق فئة الشباب وراء تقليد الآخرين من خلال التدخين أو استهلاك المخدرات والخمور. ثم إن نسبة كبيرة من الشباب واليافعين لا يكشفون صراحة عن تدخينهم أو تعاطيهم للمخدرات أو المسكرات، بل يفضلون القيام بهذه الممارسات سرا، خوفا من أن يُكتشف أمرهم من طرف أحد أفراد عائلاتهم وذويهم. وهناك من يعتبر هذه السلوكات من الأمور التي تشكل طابوها لا ينبغي البوح بها بالمقابل، هناك قناعة لدى العديد من التلاميذ مفادها أن التدخين أو حتى تناول المسكرات تًقوي لديهم الإحساس بالانتماء إلى المجموعة وإلى العصر، وأن ذلك دليل على انفتاحهم وتحررهم، إضافة إلى أن "تجريب هذه الأمور أمر ضروري" في الحياة ويبدو القطاع الوصي على التربية والتكوين عاجزا عن مواجهة هذا الواقع ومحاربة السلوكات السيئة )العنف، استهلاك السجائر والمخدرات والمسكرات( بالرغم من اعتماد بعض البرامج والقيام ببعض على هذا المستوى. وسبق لبعض الفرق البرلمانية أن طرحت أسئلة في الموضوع، من بينها فريق الحركة الشعبية، الذي تناول في فترة سابقة مسألة السلوكات المنافية للأخلاق والآداب العامة وخاصة ظاهرة الاغتصاب والتدخين وتناول المخدرات، إضافة إلى انحرافات مختلفة، التي رغم أنها سلوكات معزولة، إلا أنها تضرب في الصميم حرمة المؤسسات التعليمية. وتساءل الفريق عن الإجراءات التربوية التي باشرتها الوزارة الوصية في هذا النطاق، نظير خلق مراكز استماع بالثانويات والإعداديات لرصد مختلف الظواهر الشاذة في أفق معالجتها، أخذا بعين الاعتبار الخصوصيات السيكولوجية والنفسية للتلاميذ. وأقر الوزير الوصي على القطاع، جوابا عن السؤال، أن القضاء على مجموع الظواهر السلبية التي قد تسجل بالفضاءات التعليمية، يستدعي تظافر جهود جميع الفاعلين من مديري مؤسسات، وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ، وممثلي السلطات والجماعات المحلية، وجمعيات حكومية وغير حكومية، سواء بتكثيف عمليات التحسيس أو التأطير، أو تقديم مختلف أشكال الدعم. وقال إن الوزارة تعمل بتنسيق مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وكذا النيابات الإقليمية التابعة لها، على تتبع العمل التربوي داخل المؤسسات التعليمية والسهر على تنفيذ البرامج التعليمية المعتمدة واحترام النصوص التشريعية والتنظيمية والمذكرات والمناشير المصلحية الجاري بها العمل، وعلى توطيد العلاقات التواصلية الإنسانية وترسيخ قيم التسامح والتضامن والمساواة ونبذ العنف والتحلي بثقافة السلام واحترام الآخر. وأشار إلى إحداث مرصد القيم الذي يهدف إلى استدماج مميزات الطفرة الحقوقية والقيمية التي يعرفها المغرب ويشهدها المجتمع الدولي بأسره، وإعمال وتفعيل الثقافة الحقوقية والقيمية في المنظومة التربوية، وتدعيم وتعزيز تعددية القيم في البرامج والكتب المدرسية، كما يتغيا رصد الظواهر والسلوكات المرتبطة بالقيم وتتبعها وتقويمها داخل المؤسسة التعليمية، وإرساء دعائم مجتمع الحداثة الذي تنصهر فيه الوطنية الأصيلة بالمواطنة العصرية الإيجابية. وأوضح الوزير أنه من مهام هذا المرصد إبداء الرأي في البرامج والكتب المدرسية من حيث ملاءمتها ومسايرتها للمستجدات التربوية ذات الصلة بالجانب القيمي وبالتطورات التعليمية والثقافية واللغوية، واقتراح المعايير التي يجب اعتمادها من منظور القيم في تحسين المناهج التربوية وتنظيم رصد تربوي للتجارب الدولية قصد الاستفادة منها عند الحاجة، بالإضافة إلى استشراف القيم الجديدة وتحليلها وتمحيصها حتى لا تكون متناقضة مع تراثنا وهويتنا وقيمنا. وذكر الوزير أنه لمواجهة الانحرافات التي تصدر عن بعض التلاميذ، داخل أو خارج المؤسسات التعليمية، عمدت الوزارة الوصية إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات، من بينها إحداث أندية تربوية بجميع المؤسسات التعليمية تمكن التلاميذ، إضافة إلى التوعية والتحسيس بالقضايا التي تهمهم، من ملء أوقات فراغهم، ويشرف على هذه الأندية منشطين خضعوا لتكوين خاص، وهي أندية يدبرها التلاميذ مثل أندية المواطنة وأندية حقوق الإنسان والأندية الصحية والأندية العلمية والأندية البيئية. خبراء التربية وعلماء الاجتماع وعلماء النفس مُجمعون على أن الإجراءات المتخذة من طرف القطاع الوصي غير كافية للحد من السلوكات المنافية للآداب في المؤسسات التعليمية، لأن الفضاءات التعليمية لا تشكل سوى جزء من الفضاءات المتعددة التي يكتسب منها الفرد سلوكاته وممارساته، ومن ثمة فمعالجة السلوكات المنحرفة تتطلب تضافر جهود مؤسسات أخرى في مقدمتها : الأسرة والمجتمع نفسه. |
دخان وحشيش وقرقوبي في الإعداديات والثانويات
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
إرسال تعليق